بسم الله الرحمن الرحيم
مدين وسبأ وجذام
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده : سيدنا وإمامنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . وبعد
أهل التوراة ذكروا أن أهل مدين ينحدرون من نسل إبراهيم عليه السلام من قبل زوجته قطورة فيذكر: أوزيب القيصري في كتابه الإعلام : أن مدين مدينة سميت باسم أحد أولاد إبراهيم من زوجته قطورة . ويذكر مدين المؤرخ والجغرافي : ياقوت الحموي ، وهو يروي عن أبي زيد البلخي : أن مدين اسم لقبيلة شعيب وهم من ولد مدين بن إبراهيم .
ومن النصوص الأشورية والنصوص العبرانية هناك أشارات لقبائل مختلفة من قبائل مدين ..ففي سفر التكوين نجد ذكرا لأولاد إبراهيم من زوجته قطورة وهم : زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا . وأن أولاد يقشان هما : شبا ، ددان ، ومن ولد ددان : أشوريم ولطوشيم و لاميم . وأما أولاد ، مديان فهم : عيفة وعفر وحنوك وأبيداع والدعة. ويذكر أبي جعفر محمد بن حبيب الهاشمي المتوفى سنة 245 هجرية في كتابه المحبر ، ص: 393 ، أبناء إبراهيم عليه السلام فيقول : إسماعيل وأمه هاجر أم ولد ، وإسحاق وأمه سارة بنت لابن بن بثويل بن ناحور ، ومدين ، ومدون ، ويقشان ، وزمرون ، وأشبق ، وشح ، وأمهم قنطورا بنت مقطور من العاربة.
ويؤيد هذا القول الإشارات الواردة عند الآشوريين.
ونجد في نصوص العبرانيين : يقشان ويقطان : من ولدهم سبأ أو شبأ . فهل هو لكيانين مختلفين ؟ أم أسم لكيان واحد تمت كتابته بهذه الكيفية ، يقشان ويقطان ؟
وبسبب التوسع التجاري للقبائل اليمانية وما كانت تجنية قوافلها التجارية لبلاد مصر والعراق وبلاد الأشوريين والكنعانيين والأموريين وإلى بلاد أفريقيا أرض الكوشيين والمعروف بطريق قوافل البخور . فقد كان السبئيون في اختلاط مع الكوشيين وهم الصوماليون والأحباش وسكان شمال السودان . وهؤلاء السبئيون وكذلك الددانيون في أتصال دائم بالكوشيين وكذلك بسكان شمال البلاد العربية .. وهذا الاتصال ماهو إلا لنفوذ سبأ السياسي والإقتصادي ... وهذا التوسع والأتصال بالكوشيين أورث لدى البعض القول أن سبأ من الكوشيين .. وهذا غير صحيح.... وسوف أوضح هذا الأمر في تفصيل به تجلوا الحقيقة وتظهر للعيان. إن شاء الله تعالى.
وحسب نصوص الحوليات الآشورية أن قبيلة ( خايابا ) هي بعينها القبيلة المذكورة عند العبرانيين باسم (عيفة) وهي قبيلة من ولد إبراهيم ومن أقارب السبئيين . واسم عيفة مازال معروف ويطلق على الأطلال القديمة لمعبد ( الغوافة) ويطلق كذلك ( روافة).
ومن قبائل مدين : قبيلة ( بدنا ) ولا نعلم هل هي تعني البدون الموجودة في الجنوب الشرقي لواحة العلا المعروفة قديما ( ديدان ) .
وقد ذكر بطليموس في جغرافيته هذه القبيلة باسم :BADEOS .والنص الآشوري يحدد مكان هذه القبيلة أنها بالقرب من تيماء .
وكذلك من قبائل مدين : قبيلة ( ختي) يقول : أ.موسل استاذ الدراسات الشرقية بجامعة براغ . موضع قبيلة ختي – كما أرى – يقع في الأرض المجاورة لأدوم القديمة مباشرة ، وإني أعتمد في ذلك على ما ورد في سفر التكوين " 26: 34، 36 : 2 " حيث توجد الإشارات للقرابة بين الأدوميين وقبيلة حث ، ويظهر أن الختيين الذين قاموا في عام 710 قبل الميلاد بمقاومة الآشوريين عند أسدود كانوا يرجعون إلى نفس هذه القبيلة .
والكتابات الآشورية وحتى العبرانية تجعل قبائل مدين في الجنوب والجنوب الغربي من معان ( معون ) وإلى الشرق والجنوب الشرقي من خليج العقبة. وأقصى حدودها واحة ديدان وهي المعروفة اليوم ( بالعلا).
والعهد القديم يشير إلى وجود أهل مدين في مكانين منفصلين . لكن القول الأقرب هو : الذي يقع إلى الشرق والشمال الشرقي من البحر الميت . ويذكر ابن خرداذبة في المسالك والممالك ص: 129 ، وكذلك ابن رسته في كتاب الأعلاق النفسية ص: 177 أن : الفرع ، وذا المروة ، ووادي القرى ، ومدين ، وخيبر من ضمن أعراض المدينة المنورة .... كما أن الهمداني في صفة جزيرة العرب ص:243 فيقول : وأما جذام فهي بين مدين إلى تبوك فإلى أذرح ومنها فخذ مما يلي طبرية من أرض الأردن إلى اللجون واليامون إلى ناحية عكا .
ويتحدث المقدسي في كتابه : أحسن التقاسيم ،( ص:160 ، 161 ، 162 ) فيضيف مدين إلى الشراة الشامي ويتبعها مؤاب ومعان وتبوك وأذرع وويلة ( أيلة).
وكما ذٌكر فإن قبيلة مدين ينحدرون من نسل إبراهيم عليه السلام من زوجته قطورة ، ويؤيد ما ذكرته الكتب العبرانية الوثائق الاشورية. وإن كانت هذه الوثائق ليس فيها تفصيلات كافية .
ومدين وحسب ما ذكرته الكتب الكلاسيكية للأقدمون من اليونان والرومان فإن هذه القبيلة تسكن في مكانين منفصلين . الجزء الأول في الجهة الشرقية والشمالية الشرقية من البحر الميت ، والجزء الأخر وإن كان القطع به مستحيل وإن كانت الوثائق الآشورية وإشارات الكتب الكلاسيكية وهو الجنوب والجنوب الشرقي من ( أدوم ) .
ووفقاً لما ذٌكر في سفر التكوين فإن التجار من أهل مدين هم من أخرجوا يوسف عليه السلام من الجب وباعوه في بلاد مصر .
وقد حارب موسى عليه السلام ومن معه من بني اسرائيل قبائل مدين وقتلوا منهم مقتلة عظيمة لكنهم لم ينهوهم كما في سفر القضاة في الإصحاح السادس حيث كان بنو اسرائيل يعانون من هجمات مدين وذلك بتحالف أهل مدين مع العماليق وبني قِدم ( بدو المشرق ) وهذا الإسم شائع يطلق على رعاة الإبل . وهنا نجد أن هناك تحالف بين العماليق وبين مدين مع بدو الشرق رعاة الإبل.
وقد اشار سفر التكوين إلى أن فروع مدين ربما قد اختلطت بفروع إسماعيل عليه السلام .
قبائل مدين في النصوص العبرانية والآشورية ..
في سفر التكوين (25:1) نجد أن أولاد إبراهيم عليه السلام من قطورة هم: زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا.. وذكر أن أولاد يقشان هما : شبا وددان .. ومن ولد ددان : أشوريم ولطوشيم ولاميم ... وولد مديان : عيفة وعفر وحنوك وأبيداع والدعة.
وفي نفس هذا السفر ( 10/7 ) نجده يذكر شبا وددان من نسل الكوشيين ... وفي موضع أخر في نفس السفر ( 10/28 ) يذكر أن : شبا مع حويلة ضمن الساميين أولاد يقطان ....
ومن هذه النصوص يتبين لنا أن ددان وشبا واتصالاتهم مع الكوشيين في شرق إفريقيا وهم الصوماليين والأحباش وسكان شمال السودان ، كذلك واتصالاتهم بسكان الشمال الغربي لبلاد العرب وجنوب سوريا حيث يسكن قوم إبراهيم عليه السلام .. نستخلص من ذلك بأنه قد كان لسبأ نفوذ واسع يمتد بين هذه البلاد حتى بلاد حويلة وهي نجد الحالية ...
ويعزز هذه النظرة وحسب النصوص العبرانية والوثائق الآشورية ، أنه وفي النصف الثاني من القرن الثامن قبل الميلاد حاول الملوك الاشوريين أن يبسطوا نفوذهم على طريق التجارة الذي يخترق غرب الجزيرة العربية الآتي من الجنوب للشمال .
ففي حوليات فتجلات بلاصر الرابع في عام 733 قبل الميلاد أنه أخضع الأماكن المحيطة بحوران واتجه للجنوب وأخذ الجزية ذهباً وفضة وجمالاً ونوقاً وعطور وبخور من قبيلة مسّا masa ومن مدينة تيما tema ومن قبائل سبأ saba وخبايا hayappa وبدنا badana وختّي hatti ... وهذه الأسماء مذكورة في في التوراة في سفر التكوين ( 25:13) والتي تقع إلى الشرق والجنوب الشرقي من مؤاب ، وهذه الديار لم تكن ملكاً لأهل مدين ولكنها كانت ملكاً لبني إسماعيل عليه السلام.
وسبأ التي تذكرها الحوليات الآشورية هي نفسها التي تذكرها الكتب العبرانية ففي سفر أيوب الذي يشير إلى قوافلهم وقوال أهل تيماء ... وهذا الطريق جميع في أيدي السبئيين وفي أيدي المعينيين .
وكانت هذه المستعمرات التي يمتلكها اليمانيون تقدم لقبائل تلك البلاد ما تحتاجة من قوت وثياب وكان لهم عليهم نوع من السيطرة والسيادة .. وكان السبئيون الجنوبيون لهم علاقة متينة بالكوشيين الأفريقيين ، فكثير من الكوشيين يسكنون في مستعمرات السبئيين وعليه كانت الكتابات العبرانية تصفهم وتصف الكوشيين المقيمين هناك أنهم من ولد إبراهيم من زوجته قطورة ومرات بأنهم من أبناء الكوشيين .وكانت مستعمرات السبئيين الرئيسية في الشمال الغربي من بلاد العرب كانت تقع في واحة ددان .
وفي بلاد ددان كان المقر الرئيسي لحاكمهم ( كبيرهم kabir ) الذي كان يقيم الشريف أيتمارا السبئي itamara الذي أرسل الجزية إلى سرجون الثاني قبل عام 707 قبل الميلاد .
ويذكر سفر أيوب ( 6: 19) أن لهولاء السبئيون عناية بتربية الجمال والأغنام والماشية .وكانت مواشيهم عرضة للنهب من القبائل البعيدة كما في سفر أيوب نفسه.
وكذلك في نصوص أخرى كسفر حزقيال ( 27: 22 ) أن التجار من سبأ ورعمة كانو ينقلون أجود أنواع البلسم ومختلف الأحجار الكريمة والذهب إلى أسواق صور ...
وكذلك في سفر يوئيل ( 8:3) أن اليهود كانوا يبيعون الرقيق على السبئيين ، ويشير سفر حزقيال ( 13:38) إلى العلاقات التجارية التي كانت بين السبئيين وتجار أرشيش ، وفي أشعيا ( 60: 6)يبشر صهيون بأن الجمال البكر ستأتي إليها من مدين وعيفة تحمل ذهب التجار السبئيين ولبانهم ..
ويبين فردريك ديلتسش في كتابه أين تقع الجنة ص: 304 . أن قبيلة خايابا المذكورة في الحوليات الآشورية هي بعينها وبالضبط قبيلة عيفة المذكورة في النصوص العبرانية المقدسة في سفر أشعيا ( 6:60 ) في الترجمة السبعينية gajfa أو gafa . وهذه القبيلة من ولد إبراهيم ومن أقارب السبئيين ، وتكون الفرع الأول من قبيلة مدين ( سفر التكوين 4:25) ، وتوجد إشارة أخرى إلى هذه القرابة في سفر أشعيا ( 6:60 ).
وقبيلة (عِفَر) عليها وضع البعض أن جذام منها دون دليل مقنع ، إنما إجبار بعض الأخبار لتتوافق مع تلك الظنون ، وقبيلة (عِفَر) قد حفظ لنا اسمها في التسمية التي يحملها وادي العفار أو العفال الذي يمر خلال واحة مدين أو البدع الحديثة.وأبيدع هي عينها أباديدي الآشورية ومكانها بين قبيلة ثمود التي كانت تمتلك حرة العوارض وبين قبيلة مرسماني وتقع على ساحل البحر شمال غرب المويلح.
وددان كانت تملك الواحة التي تسمى اليوم العلا ، وهي تقع على الطريق التجاري بين الجنوب الغربي للبلاد العربية وبين سوريا ومصر.وسكان هذه الواحة يتألفون من طائفتين . الأولى : أهل البلاد الأصليين . والثانية : الجالية السبئية التي هاجرت من جنوب بلاد العرب .
ومن المحتمل أن واحة ددان في العهد الآشوري كانت خاضعة خضوعاً تاماً لملوك سبأ ، وحين تتكلم الوثائق الأشورية عن سبأ فإنها تعني الحاكم السبئي لواحة ددان أو ديدان وليس عن الملك السبئي المقيم في الجنوب الغربي للجزيرة العربية ، ودائماً الكتب المقدسة العبرانية تصل ددان بسبأ ، كما في سفر التكوين 7:10 ، 3:25 . وسفر حزقيال 13:28 .فالأنبياء كانوا على معرفة بددان ففي سفر أشعيا 13:21 و 15 .
وتبين رواية التوراة أن ددان كقوم ينتسبون إلى سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام .من زوجته قطورة . وفي النقوش الدادانية والتي يفرع خطها من خط المسند الجنوبي لم يذكر إلا اسم ملك واحد هو ( كابور – ايل أو كبير –ايل ) ( js 138l ) ، واسم ملك أخر يلقب ( بفحت) ( js 349l ).
لكن اكثر الباحثين يرى أن واحة ددان هي من الجالية المعينية وأنها كانت تقيم فيما يسمى اليوم العلا . وفي المقابل فإن بلاد مدين كانت تسكنها جاليات سبأ .
كما أن كثير من الباحثين يرى أن شعب لحيان من الشعوب العربية الجنوبية ، حين ذكرهم بلينيوس في جملة شعوب العربية الجنوبية وسماهم lexianes أو lechieni ، وقد ذهب بعضهم إلى أن الحميريين أستولوا على مواطن اللحيانيين في حوالي سنة 115 قبل الميلاد .فخضعوا بذلك للحكم الحميري.
ومما يؤيد أن راي من يقول أن اللحيانيين هم من أصل عربي جنوبي ورود اسم لحيان في نص عربي جنوبي قصير يقول: أب يدع ذلحين – بمعنى : أبيدع ذو لحيان . ويظهر أن أبيدع المذكور كان أحد اقيال لحيان في ذلك الزمن .
ومملكتا دومة أو ( أدوماتو ) و ددان قد عاصرت الآشوريين والكلدانيين باسم مملكة العربية و مملكة قيدار .. ويبدو أن أدوماتو كانت حاضرة قيدار في فترة حكم سنحريب ( 705 – 681 قبل الميلاد ) وأسرحدون ( 681- 669 قبل الميلاد ).ويرى ج.ستاركي أن هناك صلة بين ملوك قيدار وددن ، واستناداً على نقش ( قينو بر جشمو js 349l ) (قين بن جشم) فإنه يذهب إلى الإعتقاد أن قبائل شمال الجزيرة كانت مندرجة تحت حكم ( ملك قيدار ) أي أن ددان قد تكون حاضرة لهذه المملكة في فترة من الفترات . ويعتقد أ. كناوف أن الأنباط يرجعون في الأصل إلى قيدار ، بعد أن كان أ. أفعل ( ephal ) قد ألمح إلى ذلك في كتابه عن العرب القدماء .
بعد هذا العرض الموجز .. فما يذهب إليه البعض دون وعي ودون إدراك معرفي .. إنما قائدهم في هذا هو الاعتماد على :
1- تشابه الأسماء .وتكرارها في قبائل العرب . ومن ثم توظيفها فيما يخدم التوجه الخاص لموروث معين .
2- الاعتماد على الأقوال الشاذة في أنساب القبائل واستخدامها في الإسقاطات الجينية ( DNA ) .
وفي موضوعنا هذا عن مدين فإن من يقول أن جذام من مدين بن إبراهيم من زوجته قطورة . فإن اعتمادة على أموراً سببت هذا القول المرجوح وهي :
1- بلاد مدين التاريخية التي سكنتها قبائل جذام ( عمراً ) بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ .
و عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد.......ثوراً وهو كندة . وعند صاحب جمهرة أنساب العرب / ابن حزم أن يعفر نسبه : ولد يعفر بن مالك بن الحارث بن مرة : المعافر وهم باليمن والأندلس ومصر فخملت أنسابهم .
ولأن في قبائل مدين عفر تم الأخذ ببعض تشابه الحروف . فقالوا أن جذام من ولد عفر ..ومن الأولى هنا أن يقولوا : كندة بن عفير بدلاً من جذام أو يعفر بن مالك بن الحارث الذي لا يتوافق مع كلمة ( عفر) للقبيلة التي سكنت وادي العفار وهو باسمها والذي يمر خلال واحة مدين أو البدع الحديثة ، وبدع يرجح العلماء أنها عينها أباديدي الاشورية ومكانها بين قبيلة ثمود التي كانت تمتلك حرة الوارض.. ومنهم من قال أن نبي الله شعيب هو من ولد جذام بن عيفة .. وهذه القبيلة تعرف بخايابا الآشورية.
2- من قال أن جذام من مدين قد اقتطع نصاً صرح فيه صاحبه أن قوله مبني على الظن وعلى كلمة قيل التي لا تعني القطع بالنسب المذكور .. ففي كتاب / مسالك الأبصار في ممالك الأمصار .. لابن فضل الله العمري في النصف الأول من القرن الثامن الهجري في الجزء الرابع . ص: 376. قال ابن بفضل الله : وأما عرب الجوف فمنهم جذام وجذام من كهلان من اليمن ، وقد قيل إنهم من ولد يعفر بن مدين بن إبراهيم عليه السلام . ولا ندري على أي قاعدة بيانية تم القول أن جذام من مدين . أهو أسم عفر فلم نجد في كتب العبرانيين والآشوريين وغيرهم من قال أن من ولد عفر قبيلة اسمها جذام حتى مجيئ ابن فضل الله العمري في القرن الثامن فيقول بصيغة التمريض والشك : وقيل أن جذام بن يعفر بن مدين.
وعن مدين والبلاد في شمال الجزيرة العربية ، وعن بلاد اليمن في جنوب الجزيرة العربية ، وعن افريقيا .. وردت في الكتب الكلاسيكية كم أشورية وعبرانية ورومانية . أن هناك سبأ يقطان وسبأ كوش وسبأ إبراهيم .
والمتتبع لهذا التنوع في وجود اسم سبأ في افريقيا وفي شمال الجزيرة العربية وفي المهد الأول للقبائل اليمنية : اليمن .. هذا التنوع جعل من لا يفقه في علم التاريخ وفي تتبع الأدلة التاريخية وأحداثها يرفض أن سبأ اليمن هو نقطة الإنطلاق لتلك البلاد والمناطق والهجرة إليها ، وإحداث مستعمرات وممالك باسم سبأ وهذا الذي جعل العبرانيين يذكرون سبأ في ولد مدين أو ولد ددان او ولد كوش بن حام لوجود مستعمرات لهم في افريقيا باسم دولة سبأ. يجب أن لا ننكر وذلك مع وجود ما تم كشفه في علم الجينات ، بظهور تنوع سلالي تحت مسمى سبأ ... فالحقيقة تقوا أن سبأ جدّ وهو كذلك مملكة يدخل في مسماها شعوب مختلفة . كبقايا العرب البائدة وبقايا الممالك التي انهارت كممالك : أوسان وقتبان ومعين وحضرموت وخولان الأولى والثانية .
إن ما نشاهده من جهلة التاريخ وعلم الجينات من تبني سبأ لسلالة هنا ونفيه من قبائل شهد الزمان بنسبها له . لأجل اسقاطات جينية معوجة وغوغائية فكرية جهولة.
إن سبأ في القرأن موجود وفي السنة موجود والعلاقة مع العدنانيين موجود ، شهدت بذلك نصوص عبرانية واشورية في الشمال ، ونقوش مسندية تتربع على جبال وأكام وهضاب وأودية وكهوف بلاد اليمن أن سبأ بملوكه والأقيال فيه وقبائله أنه موجود دخل فيه بقايا الممالك البائدة.
لعلي اكتفي بنص كلاسيكي في القرون الإسلامية الأولى يذكر نسب سبأ بن يشجب بن قحطان إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام والذي جاء موافقاً لعلم الجينات ( DNA ) .
ويجب أن يتم توضيح أن قحطان وجد كذلك كقبيلة في اتحاد مع قبيلة كندة تحت حكم واحد وبعاصمة واحدة هي ذات كهل ( الفاو) ، ولعل اسم المملكة نسبتاً إلى الآلهة التي يعبدونها أو الصنم الذي يؤمنون به.
يقول / الحسين بن علي بن الحسين الوزير المغربي ( 370- 418) في كتاب / الإيناس في علم الانساب .. ص: 275- 276 ما يلي : في ولد إسماعيل عليه السلام : يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل عليه السلام ، ومن ولده : معد بن عدنان بن أدد ( أد) بن مقرم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب ... هذا قول ابن إسحاق.
وفي اليمن : يشجب بن يعرب بن قحطان.... قال ابن الكلبي عن ابيه وعن الشرفي ... قالا : قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نابت بن إسماعيل عليه السلام ، وكذلك كان يقول سعيد بن عفير المصري مولى الأنصار.
وسُئل وهب بن منبه عن اليمانية ، وهل أبوهم هود ؟
فقال : لا ولكن وقعت الفتن بين العرب ، وفاخرت مضر بأبيها إسماعيل : فادعت اليمن هود ليكون لهم ( أب ) من الأنبياء ، وقال : وقحطان بن عابر قوم انقرضوا وهم قحطان الأولى وأما قحطان فهو قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نابت بن إسماعيل ، وإن كان ذلك كذلك ، فما أدري ما وجه افتخار مضر على قحطان بن إسماعيل ، وهو أبوهما. انتهى
اذاً فحقيقة نسب سبأ هو من إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام ، ووجود سبأ تنسبه الكتب العبرانية مرة إلى كوش ومرة إلى يقطان ( قحطان) وأخرى الى إبرهيم عليه السلام . هو لوجود مكونات سبئية منتشرة بين تلك الجغرافيات والمناطق التي كانت لسبأ فيها مستعمرات .
وحسب النص السابق ومع مقارنته بين نصوص من السنة النبوية ، والنصوص للحوليات الآشورية والكتابات العبرانية ، فإن سبأ بن يشجب بن قحطان يجب أن يكون بجانب أل عدنان . انتهى.
أحمد الصقري العبيدي.
21/4/ 1438 .
المصادر :
1- شمال الحجاز / أ . موسل : أستاذ الدراسات الشرقية بجامعة براغ.
2- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام / جواد علي . ج2.
3- مدين بلد نبي الله شعيب عليه السلام / أ: تركي القهيدان .
4- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار / شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري..ج4.
5- الإيناس في علم الانساب / الوزير المغربي ..
6- الحياة الإجتماعية في شمال غرب الجزيرة العربية / هتون أجواد الفارسي.
7- جمهرة النسب / للكلبي .
8- جمهرة أنساب العرب / ابن حزم .
مدين وسبأ وجذام
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده : سيدنا وإمامنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . وبعد
أهل التوراة ذكروا أن أهل مدين ينحدرون من نسل إبراهيم عليه السلام من قبل زوجته قطورة فيذكر: أوزيب القيصري في كتابه الإعلام : أن مدين مدينة سميت باسم أحد أولاد إبراهيم من زوجته قطورة . ويذكر مدين المؤرخ والجغرافي : ياقوت الحموي ، وهو يروي عن أبي زيد البلخي : أن مدين اسم لقبيلة شعيب وهم من ولد مدين بن إبراهيم .
ومن النصوص الأشورية والنصوص العبرانية هناك أشارات لقبائل مختلفة من قبائل مدين ..ففي سفر التكوين نجد ذكرا لأولاد إبراهيم من زوجته قطورة وهم : زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا . وأن أولاد يقشان هما : شبا ، ددان ، ومن ولد ددان : أشوريم ولطوشيم و لاميم . وأما أولاد ، مديان فهم : عيفة وعفر وحنوك وأبيداع والدعة. ويذكر أبي جعفر محمد بن حبيب الهاشمي المتوفى سنة 245 هجرية في كتابه المحبر ، ص: 393 ، أبناء إبراهيم عليه السلام فيقول : إسماعيل وأمه هاجر أم ولد ، وإسحاق وأمه سارة بنت لابن بن بثويل بن ناحور ، ومدين ، ومدون ، ويقشان ، وزمرون ، وأشبق ، وشح ، وأمهم قنطورا بنت مقطور من العاربة.
ويؤيد هذا القول الإشارات الواردة عند الآشوريين.
ونجد في نصوص العبرانيين : يقشان ويقطان : من ولدهم سبأ أو شبأ . فهل هو لكيانين مختلفين ؟ أم أسم لكيان واحد تمت كتابته بهذه الكيفية ، يقشان ويقطان ؟
وبسبب التوسع التجاري للقبائل اليمانية وما كانت تجنية قوافلها التجارية لبلاد مصر والعراق وبلاد الأشوريين والكنعانيين والأموريين وإلى بلاد أفريقيا أرض الكوشيين والمعروف بطريق قوافل البخور . فقد كان السبئيون في اختلاط مع الكوشيين وهم الصوماليون والأحباش وسكان شمال السودان . وهؤلاء السبئيون وكذلك الددانيون في أتصال دائم بالكوشيين وكذلك بسكان شمال البلاد العربية .. وهذا الاتصال ماهو إلا لنفوذ سبأ السياسي والإقتصادي ... وهذا التوسع والأتصال بالكوشيين أورث لدى البعض القول أن سبأ من الكوشيين .. وهذا غير صحيح.... وسوف أوضح هذا الأمر في تفصيل به تجلوا الحقيقة وتظهر للعيان. إن شاء الله تعالى.
وحسب نصوص الحوليات الآشورية أن قبيلة ( خايابا ) هي بعينها القبيلة المذكورة عند العبرانيين باسم (عيفة) وهي قبيلة من ولد إبراهيم ومن أقارب السبئيين . واسم عيفة مازال معروف ويطلق على الأطلال القديمة لمعبد ( الغوافة) ويطلق كذلك ( روافة).
ومن قبائل مدين : قبيلة ( بدنا ) ولا نعلم هل هي تعني البدون الموجودة في الجنوب الشرقي لواحة العلا المعروفة قديما ( ديدان ) .
وقد ذكر بطليموس في جغرافيته هذه القبيلة باسم :BADEOS .والنص الآشوري يحدد مكان هذه القبيلة أنها بالقرب من تيماء .
وكذلك من قبائل مدين : قبيلة ( ختي) يقول : أ.موسل استاذ الدراسات الشرقية بجامعة براغ . موضع قبيلة ختي – كما أرى – يقع في الأرض المجاورة لأدوم القديمة مباشرة ، وإني أعتمد في ذلك على ما ورد في سفر التكوين " 26: 34، 36 : 2 " حيث توجد الإشارات للقرابة بين الأدوميين وقبيلة حث ، ويظهر أن الختيين الذين قاموا في عام 710 قبل الميلاد بمقاومة الآشوريين عند أسدود كانوا يرجعون إلى نفس هذه القبيلة .
والكتابات الآشورية وحتى العبرانية تجعل قبائل مدين في الجنوب والجنوب الغربي من معان ( معون ) وإلى الشرق والجنوب الشرقي من خليج العقبة. وأقصى حدودها واحة ديدان وهي المعروفة اليوم ( بالعلا).
والعهد القديم يشير إلى وجود أهل مدين في مكانين منفصلين . لكن القول الأقرب هو : الذي يقع إلى الشرق والشمال الشرقي من البحر الميت . ويذكر ابن خرداذبة في المسالك والممالك ص: 129 ، وكذلك ابن رسته في كتاب الأعلاق النفسية ص: 177 أن : الفرع ، وذا المروة ، ووادي القرى ، ومدين ، وخيبر من ضمن أعراض المدينة المنورة .... كما أن الهمداني في صفة جزيرة العرب ص:243 فيقول : وأما جذام فهي بين مدين إلى تبوك فإلى أذرح ومنها فخذ مما يلي طبرية من أرض الأردن إلى اللجون واليامون إلى ناحية عكا .
ويتحدث المقدسي في كتابه : أحسن التقاسيم ،( ص:160 ، 161 ، 162 ) فيضيف مدين إلى الشراة الشامي ويتبعها مؤاب ومعان وتبوك وأذرع وويلة ( أيلة).
وكما ذٌكر فإن قبيلة مدين ينحدرون من نسل إبراهيم عليه السلام من زوجته قطورة ، ويؤيد ما ذكرته الكتب العبرانية الوثائق الاشورية. وإن كانت هذه الوثائق ليس فيها تفصيلات كافية .
ومدين وحسب ما ذكرته الكتب الكلاسيكية للأقدمون من اليونان والرومان فإن هذه القبيلة تسكن في مكانين منفصلين . الجزء الأول في الجهة الشرقية والشمالية الشرقية من البحر الميت ، والجزء الأخر وإن كان القطع به مستحيل وإن كانت الوثائق الآشورية وإشارات الكتب الكلاسيكية وهو الجنوب والجنوب الشرقي من ( أدوم ) .
ووفقاً لما ذٌكر في سفر التكوين فإن التجار من أهل مدين هم من أخرجوا يوسف عليه السلام من الجب وباعوه في بلاد مصر .
وقد حارب موسى عليه السلام ومن معه من بني اسرائيل قبائل مدين وقتلوا منهم مقتلة عظيمة لكنهم لم ينهوهم كما في سفر القضاة في الإصحاح السادس حيث كان بنو اسرائيل يعانون من هجمات مدين وذلك بتحالف أهل مدين مع العماليق وبني قِدم ( بدو المشرق ) وهذا الإسم شائع يطلق على رعاة الإبل . وهنا نجد أن هناك تحالف بين العماليق وبين مدين مع بدو الشرق رعاة الإبل.
وقد اشار سفر التكوين إلى أن فروع مدين ربما قد اختلطت بفروع إسماعيل عليه السلام .
قبائل مدين في النصوص العبرانية والآشورية ..
في سفر التكوين (25:1) نجد أن أولاد إبراهيم عليه السلام من قطورة هم: زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا.. وذكر أن أولاد يقشان هما : شبا وددان .. ومن ولد ددان : أشوريم ولطوشيم ولاميم ... وولد مديان : عيفة وعفر وحنوك وأبيداع والدعة.
وفي نفس هذا السفر ( 10/7 ) نجده يذكر شبا وددان من نسل الكوشيين ... وفي موضع أخر في نفس السفر ( 10/28 ) يذكر أن : شبا مع حويلة ضمن الساميين أولاد يقطان ....
ومن هذه النصوص يتبين لنا أن ددان وشبا واتصالاتهم مع الكوشيين في شرق إفريقيا وهم الصوماليين والأحباش وسكان شمال السودان ، كذلك واتصالاتهم بسكان الشمال الغربي لبلاد العرب وجنوب سوريا حيث يسكن قوم إبراهيم عليه السلام .. نستخلص من ذلك بأنه قد كان لسبأ نفوذ واسع يمتد بين هذه البلاد حتى بلاد حويلة وهي نجد الحالية ...
ويعزز هذه النظرة وحسب النصوص العبرانية والوثائق الآشورية ، أنه وفي النصف الثاني من القرن الثامن قبل الميلاد حاول الملوك الاشوريين أن يبسطوا نفوذهم على طريق التجارة الذي يخترق غرب الجزيرة العربية الآتي من الجنوب للشمال .
ففي حوليات فتجلات بلاصر الرابع في عام 733 قبل الميلاد أنه أخضع الأماكن المحيطة بحوران واتجه للجنوب وأخذ الجزية ذهباً وفضة وجمالاً ونوقاً وعطور وبخور من قبيلة مسّا masa ومن مدينة تيما tema ومن قبائل سبأ saba وخبايا hayappa وبدنا badana وختّي hatti ... وهذه الأسماء مذكورة في في التوراة في سفر التكوين ( 25:13) والتي تقع إلى الشرق والجنوب الشرقي من مؤاب ، وهذه الديار لم تكن ملكاً لأهل مدين ولكنها كانت ملكاً لبني إسماعيل عليه السلام.
وسبأ التي تذكرها الحوليات الآشورية هي نفسها التي تذكرها الكتب العبرانية ففي سفر أيوب الذي يشير إلى قوافلهم وقوال أهل تيماء ... وهذا الطريق جميع في أيدي السبئيين وفي أيدي المعينيين .
وكانت هذه المستعمرات التي يمتلكها اليمانيون تقدم لقبائل تلك البلاد ما تحتاجة من قوت وثياب وكان لهم عليهم نوع من السيطرة والسيادة .. وكان السبئيون الجنوبيون لهم علاقة متينة بالكوشيين الأفريقيين ، فكثير من الكوشيين يسكنون في مستعمرات السبئيين وعليه كانت الكتابات العبرانية تصفهم وتصف الكوشيين المقيمين هناك أنهم من ولد إبراهيم من زوجته قطورة ومرات بأنهم من أبناء الكوشيين .وكانت مستعمرات السبئيين الرئيسية في الشمال الغربي من بلاد العرب كانت تقع في واحة ددان .
وفي بلاد ددان كان المقر الرئيسي لحاكمهم ( كبيرهم kabir ) الذي كان يقيم الشريف أيتمارا السبئي itamara الذي أرسل الجزية إلى سرجون الثاني قبل عام 707 قبل الميلاد .
ويذكر سفر أيوب ( 6: 19) أن لهولاء السبئيون عناية بتربية الجمال والأغنام والماشية .وكانت مواشيهم عرضة للنهب من القبائل البعيدة كما في سفر أيوب نفسه.
وكذلك في نصوص أخرى كسفر حزقيال ( 27: 22 ) أن التجار من سبأ ورعمة كانو ينقلون أجود أنواع البلسم ومختلف الأحجار الكريمة والذهب إلى أسواق صور ...
وكذلك في سفر يوئيل ( 8:3) أن اليهود كانوا يبيعون الرقيق على السبئيين ، ويشير سفر حزقيال ( 13:38) إلى العلاقات التجارية التي كانت بين السبئيين وتجار أرشيش ، وفي أشعيا ( 60: 6)يبشر صهيون بأن الجمال البكر ستأتي إليها من مدين وعيفة تحمل ذهب التجار السبئيين ولبانهم ..
ويبين فردريك ديلتسش في كتابه أين تقع الجنة ص: 304 . أن قبيلة خايابا المذكورة في الحوليات الآشورية هي بعينها وبالضبط قبيلة عيفة المذكورة في النصوص العبرانية المقدسة في سفر أشعيا ( 6:60 ) في الترجمة السبعينية gajfa أو gafa . وهذه القبيلة من ولد إبراهيم ومن أقارب السبئيين ، وتكون الفرع الأول من قبيلة مدين ( سفر التكوين 4:25) ، وتوجد إشارة أخرى إلى هذه القرابة في سفر أشعيا ( 6:60 ).
وقبيلة (عِفَر) عليها وضع البعض أن جذام منها دون دليل مقنع ، إنما إجبار بعض الأخبار لتتوافق مع تلك الظنون ، وقبيلة (عِفَر) قد حفظ لنا اسمها في التسمية التي يحملها وادي العفار أو العفال الذي يمر خلال واحة مدين أو البدع الحديثة.وأبيدع هي عينها أباديدي الآشورية ومكانها بين قبيلة ثمود التي كانت تمتلك حرة العوارض وبين قبيلة مرسماني وتقع على ساحل البحر شمال غرب المويلح.
وددان كانت تملك الواحة التي تسمى اليوم العلا ، وهي تقع على الطريق التجاري بين الجنوب الغربي للبلاد العربية وبين سوريا ومصر.وسكان هذه الواحة يتألفون من طائفتين . الأولى : أهل البلاد الأصليين . والثانية : الجالية السبئية التي هاجرت من جنوب بلاد العرب .
ومن المحتمل أن واحة ددان في العهد الآشوري كانت خاضعة خضوعاً تاماً لملوك سبأ ، وحين تتكلم الوثائق الأشورية عن سبأ فإنها تعني الحاكم السبئي لواحة ددان أو ديدان وليس عن الملك السبئي المقيم في الجنوب الغربي للجزيرة العربية ، ودائماً الكتب المقدسة العبرانية تصل ددان بسبأ ، كما في سفر التكوين 7:10 ، 3:25 . وسفر حزقيال 13:28 .فالأنبياء كانوا على معرفة بددان ففي سفر أشعيا 13:21 و 15 .
وتبين رواية التوراة أن ددان كقوم ينتسبون إلى سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام .من زوجته قطورة . وفي النقوش الدادانية والتي يفرع خطها من خط المسند الجنوبي لم يذكر إلا اسم ملك واحد هو ( كابور – ايل أو كبير –ايل ) ( js 138l ) ، واسم ملك أخر يلقب ( بفحت) ( js 349l ).
لكن اكثر الباحثين يرى أن واحة ددان هي من الجالية المعينية وأنها كانت تقيم فيما يسمى اليوم العلا . وفي المقابل فإن بلاد مدين كانت تسكنها جاليات سبأ .
كما أن كثير من الباحثين يرى أن شعب لحيان من الشعوب العربية الجنوبية ، حين ذكرهم بلينيوس في جملة شعوب العربية الجنوبية وسماهم lexianes أو lechieni ، وقد ذهب بعضهم إلى أن الحميريين أستولوا على مواطن اللحيانيين في حوالي سنة 115 قبل الميلاد .فخضعوا بذلك للحكم الحميري.
ومما يؤيد أن راي من يقول أن اللحيانيين هم من أصل عربي جنوبي ورود اسم لحيان في نص عربي جنوبي قصير يقول: أب يدع ذلحين – بمعنى : أبيدع ذو لحيان . ويظهر أن أبيدع المذكور كان أحد اقيال لحيان في ذلك الزمن .
ومملكتا دومة أو ( أدوماتو ) و ددان قد عاصرت الآشوريين والكلدانيين باسم مملكة العربية و مملكة قيدار .. ويبدو أن أدوماتو كانت حاضرة قيدار في فترة حكم سنحريب ( 705 – 681 قبل الميلاد ) وأسرحدون ( 681- 669 قبل الميلاد ).ويرى ج.ستاركي أن هناك صلة بين ملوك قيدار وددن ، واستناداً على نقش ( قينو بر جشمو js 349l ) (قين بن جشم) فإنه يذهب إلى الإعتقاد أن قبائل شمال الجزيرة كانت مندرجة تحت حكم ( ملك قيدار ) أي أن ددان قد تكون حاضرة لهذه المملكة في فترة من الفترات . ويعتقد أ. كناوف أن الأنباط يرجعون في الأصل إلى قيدار ، بعد أن كان أ. أفعل ( ephal ) قد ألمح إلى ذلك في كتابه عن العرب القدماء .
بعد هذا العرض الموجز .. فما يذهب إليه البعض دون وعي ودون إدراك معرفي .. إنما قائدهم في هذا هو الاعتماد على :
1- تشابه الأسماء .وتكرارها في قبائل العرب . ومن ثم توظيفها فيما يخدم التوجه الخاص لموروث معين .
2- الاعتماد على الأقوال الشاذة في أنساب القبائل واستخدامها في الإسقاطات الجينية ( DNA ) .
وفي موضوعنا هذا عن مدين فإن من يقول أن جذام من مدين بن إبراهيم من زوجته قطورة . فإن اعتمادة على أموراً سببت هذا القول المرجوح وهي :
1- بلاد مدين التاريخية التي سكنتها قبائل جذام ( عمراً ) بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ .
و عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد.......ثوراً وهو كندة . وعند صاحب جمهرة أنساب العرب / ابن حزم أن يعفر نسبه : ولد يعفر بن مالك بن الحارث بن مرة : المعافر وهم باليمن والأندلس ومصر فخملت أنسابهم .
ولأن في قبائل مدين عفر تم الأخذ ببعض تشابه الحروف . فقالوا أن جذام من ولد عفر ..ومن الأولى هنا أن يقولوا : كندة بن عفير بدلاً من جذام أو يعفر بن مالك بن الحارث الذي لا يتوافق مع كلمة ( عفر) للقبيلة التي سكنت وادي العفار وهو باسمها والذي يمر خلال واحة مدين أو البدع الحديثة ، وبدع يرجح العلماء أنها عينها أباديدي الاشورية ومكانها بين قبيلة ثمود التي كانت تمتلك حرة الوارض.. ومنهم من قال أن نبي الله شعيب هو من ولد جذام بن عيفة .. وهذه القبيلة تعرف بخايابا الآشورية.
2- من قال أن جذام من مدين قد اقتطع نصاً صرح فيه صاحبه أن قوله مبني على الظن وعلى كلمة قيل التي لا تعني القطع بالنسب المذكور .. ففي كتاب / مسالك الأبصار في ممالك الأمصار .. لابن فضل الله العمري في النصف الأول من القرن الثامن الهجري في الجزء الرابع . ص: 376. قال ابن بفضل الله : وأما عرب الجوف فمنهم جذام وجذام من كهلان من اليمن ، وقد قيل إنهم من ولد يعفر بن مدين بن إبراهيم عليه السلام . ولا ندري على أي قاعدة بيانية تم القول أن جذام من مدين . أهو أسم عفر فلم نجد في كتب العبرانيين والآشوريين وغيرهم من قال أن من ولد عفر قبيلة اسمها جذام حتى مجيئ ابن فضل الله العمري في القرن الثامن فيقول بصيغة التمريض والشك : وقيل أن جذام بن يعفر بن مدين.
وعن مدين والبلاد في شمال الجزيرة العربية ، وعن بلاد اليمن في جنوب الجزيرة العربية ، وعن افريقيا .. وردت في الكتب الكلاسيكية كم أشورية وعبرانية ورومانية . أن هناك سبأ يقطان وسبأ كوش وسبأ إبراهيم .
والمتتبع لهذا التنوع في وجود اسم سبأ في افريقيا وفي شمال الجزيرة العربية وفي المهد الأول للقبائل اليمنية : اليمن .. هذا التنوع جعل من لا يفقه في علم التاريخ وفي تتبع الأدلة التاريخية وأحداثها يرفض أن سبأ اليمن هو نقطة الإنطلاق لتلك البلاد والمناطق والهجرة إليها ، وإحداث مستعمرات وممالك باسم سبأ وهذا الذي جعل العبرانيين يذكرون سبأ في ولد مدين أو ولد ددان او ولد كوش بن حام لوجود مستعمرات لهم في افريقيا باسم دولة سبأ. يجب أن لا ننكر وذلك مع وجود ما تم كشفه في علم الجينات ، بظهور تنوع سلالي تحت مسمى سبأ ... فالحقيقة تقوا أن سبأ جدّ وهو كذلك مملكة يدخل في مسماها شعوب مختلفة . كبقايا العرب البائدة وبقايا الممالك التي انهارت كممالك : أوسان وقتبان ومعين وحضرموت وخولان الأولى والثانية .
إن ما نشاهده من جهلة التاريخ وعلم الجينات من تبني سبأ لسلالة هنا ونفيه من قبائل شهد الزمان بنسبها له . لأجل اسقاطات جينية معوجة وغوغائية فكرية جهولة.
إن سبأ في القرأن موجود وفي السنة موجود والعلاقة مع العدنانيين موجود ، شهدت بذلك نصوص عبرانية واشورية في الشمال ، ونقوش مسندية تتربع على جبال وأكام وهضاب وأودية وكهوف بلاد اليمن أن سبأ بملوكه والأقيال فيه وقبائله أنه موجود دخل فيه بقايا الممالك البائدة.
لعلي اكتفي بنص كلاسيكي في القرون الإسلامية الأولى يذكر نسب سبأ بن يشجب بن قحطان إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام والذي جاء موافقاً لعلم الجينات ( DNA ) .
ويجب أن يتم توضيح أن قحطان وجد كذلك كقبيلة في اتحاد مع قبيلة كندة تحت حكم واحد وبعاصمة واحدة هي ذات كهل ( الفاو) ، ولعل اسم المملكة نسبتاً إلى الآلهة التي يعبدونها أو الصنم الذي يؤمنون به.
يقول / الحسين بن علي بن الحسين الوزير المغربي ( 370- 418) في كتاب / الإيناس في علم الانساب .. ص: 275- 276 ما يلي : في ولد إسماعيل عليه السلام : يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل عليه السلام ، ومن ولده : معد بن عدنان بن أدد ( أد) بن مقرم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب ... هذا قول ابن إسحاق.
وفي اليمن : يشجب بن يعرب بن قحطان.... قال ابن الكلبي عن ابيه وعن الشرفي ... قالا : قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نابت بن إسماعيل عليه السلام ، وكذلك كان يقول سعيد بن عفير المصري مولى الأنصار.
وسُئل وهب بن منبه عن اليمانية ، وهل أبوهم هود ؟
فقال : لا ولكن وقعت الفتن بين العرب ، وفاخرت مضر بأبيها إسماعيل : فادعت اليمن هود ليكون لهم ( أب ) من الأنبياء ، وقال : وقحطان بن عابر قوم انقرضوا وهم قحطان الأولى وأما قحطان فهو قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نابت بن إسماعيل ، وإن كان ذلك كذلك ، فما أدري ما وجه افتخار مضر على قحطان بن إسماعيل ، وهو أبوهما. انتهى
اذاً فحقيقة نسب سبأ هو من إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام ، ووجود سبأ تنسبه الكتب العبرانية مرة إلى كوش ومرة إلى يقطان ( قحطان) وأخرى الى إبرهيم عليه السلام . هو لوجود مكونات سبئية منتشرة بين تلك الجغرافيات والمناطق التي كانت لسبأ فيها مستعمرات .
وحسب النص السابق ومع مقارنته بين نصوص من السنة النبوية ، والنصوص للحوليات الآشورية والكتابات العبرانية ، فإن سبأ بن يشجب بن قحطان يجب أن يكون بجانب أل عدنان . انتهى.
أحمد الصقري العبيدي.
21/4/ 1438 .
المصادر :
1- شمال الحجاز / أ . موسل : أستاذ الدراسات الشرقية بجامعة براغ.
2- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام / جواد علي . ج2.
3- مدين بلد نبي الله شعيب عليه السلام / أ: تركي القهيدان .
4- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار / شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري..ج4.
5- الإيناس في علم الانساب / الوزير المغربي ..
6- الحياة الإجتماعية في شمال غرب الجزيرة العربية / هتون أجواد الفارسي.
7- جمهرة النسب / للكلبي .
8- جمهرة أنساب العرب / ابن حزم .