الخميس، 15 يونيو 2017

أُميَّة التِجارة بقلم / د. سلطان أبو دبيل القحطاني



كُرِست السجون بأصحاب الدين خلال الأعوام الأخيرة ، ولم تكن بسبب ضيق عيشٍ ، ولا مشقة حياة، بل مجملها تحت مسمى التجارة والبحث عن الحياة الكريمة ..

فما السبب  الذي لجَّ بهؤلاء في السجون ؟ ولماذا حُملوا بهذه المبالغ الضخمة ؟ أليس السبب الرئيسي هو عدم التوجيه ، وترك الحرية لكل شخص أن يزاول التجارة كيفما شاء ؟

بعد سن المراهقة تجد الشاب متحمساً للحياة ولطرق الكسب والكل يريد أن يصبح تاجرا ، وبالتالي يبدأ بالدين ثم يفتح سجلاً تجارياً وينطلق في غياهب الجهل والعناء يفتح هنا مشروعا ، وهناك آخر بنشاط مختلف ، وشريكاً لقوم في مشروع بعيد،  ويتخبط ويتوسع في الصرف والإنفاق وينجرف  في تيار المضاربات ، حتى يكبل بالدين ويجد نفسه غاطساً في حقوق البشر ، ثم يهمُ بالسداد بدينٍ آخر وهكذا ، وكل ذلك لأجل الشهرة التي أصبحت داء هذا العصر.

من سمحَ لهؤلاء بالتخبط دون رقابة ؟ من تركهم دون توجيه وتثقيف ؟ فقد وجدوا الحبل مفكوكا لهم ، ونظاماً يسمح لهم بالعبث ، إضافةً لأسرهم وأقاربهم الذين يطبلون ويصفقون لهم دون علم عن كيفية نجاحهم،  ودون أدنى رأي أو توجيه.

يجب أن توضع أسس ومعايير وشروط عامة لكل من لديه الرغبة في مزاولة الأعمال الحرة من قبل أصحاب القرار والمسؤولين ، لعل أهمها - من وجهة نظري - يكمن في :

١- يُسأل الشخص قبل أن يبحر في التجارة - مع مراعاة السن -  هل تمتلك منزلاً،  أو ملاذاً لأسرتك ؟ هل تزوجت ؟ هل أمنت أسرتك ؟ طبعا غالبا ستكون الإجابة لا ، إذاً لا تزاول التجارة حتى تمتلك منزلاً فإن كنت عاجزاً عن التملك -على الأقل - اجعل عائلتك في مأمن ، ثم الخطوة الثانية تتزوج أو حدد مستقبلاً لاستقرارك ، ثم التالية وهكذا ، بعد الانتهاء من أساسيات الحياة ، ينتقل للتجارة ولكن لا يفلت له الحبل.

٢- يُسأل بعد ذلك عن اتجاهه للتجارة من أين جمعت مالك ؟ وما المشروع الذي تريده وتطمح لتحقيقه ؟ فإن كانت إجاباته منطقية ومقنعة يسمح له بمزاولة التجارة بشروط من أهمها وأولها : أن يكون ملماً بمشروعه ويطرح دراسته ورؤيته المستقبلية .
ثانياً : توحيد نشاطه وتطويره بألا يتخذ مساراً آخر فقد قالوا قديما ( صاحب صنعتين كذاب ) .
ثالثاً : موافاة الجهة المختصة بتقرير كل ستة أشهر يوضح انجازاته وما حقق في تلك الفترة ، فإن كان على الطريق القويم فليُشجع ويُدعم ويُكمل وتُيسر له السبل لتحقيق أهدافه ، وإن كان ركيكاً يُوجه ويُنصح ليتلافى أخطاءه ، ويعرف أسباب خسارته،  ثم يعود بتريث ويُكمل طريقه رويدا رويدا لكي لا يقع في أخطاءه السابقة.

فلم يُكرس البشر بالسجون إلا الطمع والجهل والعجلة باعتقادهم أن التّجار القدماء أميّون وهو أفضل منهم ، ولا يعلم أنه الأمي ، فإذا كانوا لا يقرأون ولا يكتبون فقد نالوا الشهادات العليا أيام الفقر والجوع ومحصتهم الحياة خير تمحيص.
فشبابنا عاشوا في رغدٍ من العيش وشغلهم الشاغل امتلاك الملايين في وقت وجيز،  وأن يشتهر ويكون له شأنٌ بين قومه ومجتمعه كما ذكرت آنفاً ، والنتيجة عكس ذلك بتحمل الملايين وحقوق البشر ، بالنهاية ( مسجون ، ومحمل بالديون ، لا منزلا لأسرته يحويهم ، ولا مصدرا لمطعمهم ومشربهم وملبسهم ).
أخيرا : نناشد المسؤولين وأصحاب القرار بأن يحدوا من هذه الظاهرة التي نراها كل عام في تزايد ، وذلك باتخاذ ما يرونه مناسبا حيال ذلك ، وأن يلتفتوا لها باعتبارٍ وبجديةٍ ، ويضعوا سنناً توقف هؤلاء الجهلة من التخبط وتحمل الديون.

هناك تعليق واحد:

  1. صح لسانك وسلمت أناملك ودمت مبدعا بارك الله فيك .مقال رائع استكلمت فيه الشروط اللازمة من اختيار مشكلة ما والبحث في اسباب حدوثها وحيثياتها ومن ثم التطرق للاساليب الصحيحة و اللازمة لمعالجتها . تقبل تقديري

    ردحذف

جحش الاربعين للباحث في التاريخ علي بن محمد السنحاني || موسوعة قحطان

  اربعين يوم يصول ويجول رافع هامته إلى السماء ومعرفته مثل المشط يأخذ الجبوب من جاله إلى  جاله غير ابه بمن حوله كأنه المهر تراه وهو في اوج خي...